بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي من علينا بنعمة الإيمان، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد :
فانه قد صح عن الرسول – صلى الله عليه وسلم – فيما رواه عنه معاذ بن جبل – رضي الله عنه – أن المرء إذا أحب أخاه المؤمن أخبره بذلك ،واني واله قد أحببتك في الله ، وليس هذا الحب هو نتيجة طمع في مال أو جاه أو خشية من سلطان أو عدوان ولكن هو ثمرة الأيمان وواجب الولاية .
والرسول عليه الصلاة والسلام قال فيما صح عنه : ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) .
ومما أجاهد نفسي عليه سلامة الصدر ، وحسن الظن ، والتماس العذر ، والبعد عن قيل وقال ، وأن أحمل الكلام على أحسن الوجوه ، وان ابحث عن الحف في جميع مظانه ، وان لا أترك الفائدة أنّى وجدتها .
فالحليب يخرج من بين فرث ودم ، والمسك بعض دم الغزال ، والمؤمن قد يلد الفاجر ، والفاجر قد يلد المؤمن ، والسم قد يكون منه الشفاء ، والجرثومة قد يوجد منها المفيد ، وقد يوجد في النهر ما لا يوجد في البحر ، وأن العصمة للرسول – صلى الله عليه وسلم – ولا عصمة لأحد بعده أيا كان ومهما علت درجته وعرفت مكانته ، وأن الحق ليس محصورا في شخص واحد بعده ، بل هو في السواء الأعم موزع في المجموع لا في الفرد الواحد .
وأن الهجر يكون هجرا جميلا كما في قوله تعالى: (( وأهجرهم هجرا جميلا ))، وقوله تعالى: (( وصحابهما في الدنيا معروفا )).
وأن الهجر له شروطه وأسبابه، فمن شروطه أن يكون مفيدا مؤثرا في المهجور وأن يعلم بأنه هجر لإصلاحه، وأن يكون إعزازا لدين الله، وان لا يكون فيه حظ للنفس، وأن يكون فيما لا يجب أداؤه من الحقوق.
ويعلم الله أني لا أبطن غير ما أظهر وأني أحب الله ورسوله وكل من يحب الله ورسوله وأبغض كل من يبغض الله ورسوله.
ولي عيوب يعرفها من عاشرني ، وذنوب لا يعلم عظمها إلا الله – سبحانه - ، ولست أدعي العصمة أو الإنابة .
ولي شغف بالمزاح قد يخرج أحيانا عن المشروع ومقتضيات المروءة ، ولكن لا يخلو عن فائدة ، كالانبساط إلى الأخوان أو إخراج مكنون المخالف أو تنبيه الغافل ، ولي في ذلك أسوة ، فقد كان الرسول –صلى الله عليه وسلم – يمزح ويكني ويعرّض ويسأل عن الشيء وهو أعلم به ، لكي ينبه المسؤول عن علة أو سبب أو حكمة .
واعتقد جازما بأن الله – تعالى – متصف بكل كمال يليق به ، وأنه منزه عن كل نقص ، وانه متصف بكل ما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله – صلى الله عليه وسلم – على ما أراد من غير تكييف ولا تعطيل ولا تشبيه ولا تحريف ، وانه – سبحانه – (( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )) ، وأن أسماءه وصفاته توقيفية لا يسمى ولا يوصف إلا بما سمى به نفسه ، أو وصفها من غير زيادة أو نقصان او تأويل بغير التفسير بالمعنى الذي عرفته العرب في لغتها ، فمعنى صفاته أو أسمائه معلوم ، وكيفيتها مجهول لا نخوض فيها .
وأقر بربوبيته ووحدانيته وألوهيته ، وأن ما لا يقدر عليه غيره من العبادة كادعاء ، والنفع لا يصرف لغيره ، سواء كان ملكا مقربا أو نبيا مرسلا أو وليا صالحا .
أما ما كان في مقدور العباد فيصرف لهم كإنقاذ الغريق، وإعطاء السائل والخوف من بطش السلطان أو العدو.
هذا ما أعتقده وأسأل الله أن يميتني عليه ، وقد أخبرتك به حبا لك ورغبة في الخير واعذرا لك ، فأقرأه بعقلك ، واطرد عنك الظنون الفاسدة وتمعن فيه ، فانه نافع لك إن شاء الله ، وقد يرفع عنك وساوس الشيطان وتلبسان إبليس ، وأعلم أني قد اجتهدت لك في النصيحة ، وأخترت لك فوائد عقدي ونظمتها لك بحبل الإخلاص ثم أوثقتها بيد الصدق ثم عطرتها بزهر المحبة حتى فاح شذاها من جميع جوارحي ثم وضعتها لك في ظرف النصح ، إذ الدين النصيحة من غير إسراف في اللفظ أو تغيير في المعنى فلا تلقها في سلة المهملات ثم تمزقها بسكين النسيان ثم تذرو عليها تراب الازدراء .
مع خالص شكري لك